سياسة النقاش الرسمي لتقارير الجهاز .. الأهمية والاثر
بقلم : عبده أحمد الوجيه - مدير إدارة الرقابة على الأداء

بإذن الله تعالى سوف أبدأ بكتابة خواطر رقابية تتعلق بالجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة كلما سمح لي الوقت بذلك، (وأتمنى من الاخوة في الاعلام الرقابي إعادة نشر ما يرونه مناسباً منها)، وتأتي هذه الخواطر في إطار المساهمة في نشر الوعي حول أفضل الممارسات للأجهزة العليا للرقابة على ضوء المعايير الدولية، وقد أحببت أن تكون أول خاطرة تتعلق بموضوع يهم كافة منتسبي الجهاز خصوصاً الزملاء المراجعين وهو الموضوع المتعلق بالسياسة التي تم اتباعها من قبل الجهاز منذ العام 2018م القائمة على استدعاء القيادات والمعنيين بالجهات الخاضعة للرقابة لعقد اجتماع رسمي بحضور قيادة ومراجعي الجهاز لمناقشة المخالفات والاختلالات وجوانب القصور الواردة في تقارير الجهاز والخروج بمصفوفة معالجات مزمنة بشأن ذلك، ولبيان الأهمية والأثر المترتب على هذه السياسة سيتم التطرق لها على النحو التالي:
* ما هو الوضع قبل هذه السياسة؟
سوف أتحدث عن الوضع الذي كان قائماً قبل اتباع هذه السياسة بلغة وشعور يعرفه تماماً كل مراجعي الجهاز سواءً الذين قد أكملوا عطائهم المهني أو الذين ما زال عطائهم مستمراً حيث كان التعامل مع تقارير الجهاز وتوصياته لا يلقى الاهتمام من قبل الجهات الخاضعة للرقابة فالعديد من هذه الجهات لا تقوم بالرد على تقارير الجهاز، ومعظم الجهات التي كانت ترد على التقارير كان يخلص ردها بأنه سيتم العمل على تلافي المخالفات ونواحي القصور مستقبلاً.
هذا الوضع ولد شعوراً بالإحباط لدى مراجعي الجهاز كون جهودهم ومخرجات الجهاز الرقابية لا تلقى اهتمام من قبل القائمين على الجهة الخاضعة للرقابة ولا تحدث الأثر الملموس في أداء الجهة وأدى هذا الوضع إلى تراكم المخالفات والتجاوزات سنة تلو الأخرى حتى أصبحت تمثل اختلالات هيكلية مزمنة يصعب معالجتها.
أقولها وبكل صراحة لقد مرت عليا شخصياً لحظات ومثلي الكثير من المراجعين كنا نتمنى فيها أن يقوم الوزير المعني أو رئيس الجهة بمجرد فقط تصفح التقرير مثلما يقوم بتصفح صحيفة الثورة اليومية لعله يثير انتباهه احدى الاختلالات أو التوصيات ويقوم بالعمل على تنفيذها.
ولعلي أورد حالتين حدثت معي تؤكد عدم الاهتمام من قبل القائمين على الجهات الخاضعة للرقابة بتقارير الجهاز:
الحالة الأولى : كانت أثناء قيامي بتنفيذ مهمة تقييم مستوى تنفيذ خطة الهيئة العامة لكهرباء الريف للعام2012م حيث تحدث معي المدير المسؤول عن وحدة تنفيذ المشاريع الممولة دولياً قائلاً: بمجرد أن وصل إلينا تقرير الجهاز الذي قمتم بإعداده وجدنا فيه الكثير من الجوانب الهامة والجوهرية التي رأينا أنها سوف تساهم بصورة كبيرة وعملية في رفع وتطوير أداء الهيئة في تنفيذ المشاريع، قلت له: طيب جميل جداً ماذا عملتم؟ قال: قمت شخصياً بتصوير نسخة من التقرير وقدمتها لمدير عام الهيئة وطلبت منه أن يقرأ التقرير نظراً لأهمية ما ورد فيه وأنه سوف يساهم بصورة كبيرة في رفع أداء الهيئة، وبعد أسبوع رجعت لمدير الهيئة وسألته إن كان قد أكمل قراءة التقرير فأجاب أن النسخة التي سلمتها له كانت فوق السيارة وأن أطفاله قد أضاعوها، فقمت بتصوير نسخة ثانية وسلمتها له، وبعد أيام عدت لاستفسر منه حول التقرير قال أنه لم يتمكن من الاطلاع عليه بسبب انشغاله، وبعدها كنت أتردد عليه أكثر من مرة لمحاولة إقناعه بالاطلاع على التقرير لكن دون جدوى.
الحالة الثانية : حدثت قبل الحالة المشار إليها آنفاً عندما كنت أعمل بفرع الجهاز بمحافظة المحويت حينها كان الفرع قد أصدر عدة تقارير جوهرية متعلقة بمواضيع مختلفة بالمحافظة الأمر الذي أثار حفيظة المحافظ والذي كان حينها اللواء/ احمد علي محسن واثناء تواجدنا في ديوان المحافظة طلبنا المحافظ قائلاً لنا وهو يشير بيده إلى كرتون كان بجوار مكتبه وبداخله الكثير من الملفات والاوراق: شوفوا يا جهاز هذه تقاريركم نرميها في هذا الكرتون، يعني لا تطلع ولا تنزل، أفتهم لكم وإلا لا.
وغيرها الكثير من الحالات والمواقف التي حدثت مع مراجعي الجهاز وتؤكد عدم الاهتمام بتقارير الجهاز وتوصياته من قبل القائمين على الجهات الخاضعة للرقابة قبل اتباع السياسة الحالية من قبل الجهاز في العام 2018م.
* هل هذه السياسة تتلاءم مع المعايير الدولية وأفضل الممارسات؟
من خلال الرجوع والاطلاع على المعايير الصادرة عن المنظمة الدولية للأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة (الانتوساي) نجد أن هذه السياسة تتطابق بصورة كبيرة مع هذه المعايير ونورد أمثلة لذلك كما يلي:
- إن هذه السياسة تتلاءم بصورة كبيرة مع ما ورد في المعيار الدولي رقم (10) الصادر تحت عنوان (إعلان مكسيكو بشأن الاستقلالية) والذي أكد على أن للأجهزة الرقابية حرية تقرير محتوى تقارير الرقابة وتوقيتها ونشرها وتوزيعها، بما فيها النشر للجمهور.
- تمثل هذه السياسة تطبيق عملي لأهم المبادئ الواردة في المعيار الدولي رقم (12) الذي وضع عدد من المبادئ العامة التي تمثل الشروط الاساسية لضمان تحقيق قيمة ومنفعة الاجهزة الرقابية في إحداث فارق للأفضل في حياة المواطنين ومن ذلك:
* أن تعمل الاجهزة الرقابية على تمكين القائمين على إدارة القطاع العام من الاضطلاع بمسؤولياتهم في الاستجابة لنتائج الرقابة وتوصياتها واتخاذ الاجراءات التصحيحية.
* أن تضمن الاجهزة الرقابية حسن التواصل مع الهيئات الخاضعة للرقابة وأن تطلعها على مستجدات عملية الرقابة.
* أن على الاجهزة الرقابية أن تنشر تقاريرها علانية وفي توقيتات محددة، وأن تسهل الاطلاع على تقاريرها من قبل أصحاب المصلحة باستخدام أدوات تواصل مناسبة.
*,دعوة كبار الأفراد في السلطة التنفيذية لحضور الاجتماعات لمناقشة مواطن الاهتمام والنتائج المشتركة والاتجاهات السائدة والأسباب الجذرية ووضع توصيات الرقابة، مع إمكانية تقديم المشورة لاستخدام نتائج الرقابة وآرائها بحيث تحقق أقصى تأثير.
- كما أن هذه السياسة تمثل تطبيق عملي للمبادئ الواردة في المعيار الدولي رقم (20) بشأن مبادئ الشفافية والمساءلة ومن تلك المبادئ:
* تتواصل الاجهزة الرقابية مع المؤسسات الخاضعة للرقابة وتخضع نتائج الرقابة لإجراءات إبداء الملاحظات والرد من قبل الجهات الخاضعة للرقابة.
* تقوم الاجهزة الرقابية بتوفير تقاريرها بصيغة مفهومة ومتاحة للعموم عبر وسائل مختلفة (كالمخلصات والرسوم البيانية والعروض المصورة والبيانات الصحافية).
- كما أن هذه السياسة تتوافق مع ما ورد في المعيار الدولي رقم (40) الصادر تحت عنوان (رقابة الجودة) الذي أكد بأن على الاجهزة الرقابية أن تتحقق من الاكتشافات التي وقفت عليها عملية الرقابة عن طريق إتاحة الفرصة للأطراف التي تتأثر مباشرة بأعمالها لتقوم بالتعليق قبل أن يتم إنهاء الاعمال المعنية.
* ما مدى أهمية هذه السياسة؟
إن كل ما سبق الاشارة إليه آنفا وما تضمنته بقية المعايير والارشادات الدولية الصادرة عن منظمة الانتوساي والمنظمات الاقليمية التابعة لها وكذلك ما هو متبع كأفضل الممارسات من قبل الأجهزة الرقابية على المستوى العالمي يؤكد أن مثل هذه السياسة تعد ضرورية وهامة وتأتي ضمن المبادئ والشروط الاساسية لضمان تحقيق قيمة ومنفعة الأجهزة الرقابية.
وفي اعتقادي أن قيام الجهاز باتباع هذه السياسة يمثل توجه وقرار استراتيجي وشجاع يحسب لقيادة الجهاز الحالية باعتباره أداه فعالة لضمان التجاوب الجاد من قبل القائمين على الجهات الخاضعة للرقابة مع تقارير الجهاز وتنفيذ التوصيات بما يؤدي إلى معالجة الاختلالات وجوانب الضعف والقصور لدى هذه الجهات ويساهم بصورة مباشرة في تحسين أداءها وبالتالي تحقيق الأهداف التي أنشئت من أجلها.
كما أن هذه السياسة باعتقادي تعد بمثابة رد اعتبار لمراجعي الجهاز عن الاهمال وعدم التجاوب مع تقارير الجهاز وتوصياته من قبل الجهات الخاضعة للرقابة الذي كان قائم قبل إتباع السياسة الحالية .
* ما هي الآثار المترتبة على اتباع هذه السياسة؟
- تضمن هذه السياسة قيام الجهات الخاضعة للرقابة باتخاذ الاجراءات الكفيلة بمعالجة الاختلالات وجوانب القصور وبالتالي إجراء التصحيحات وعدم تراكمها وترحليها من سنة إلى أخرى.
- تساهم في تطبيق مبادئ الحكم الرشيد من خلال عنصري المساءلة والشفافية، إذ أن الشفافية هي قوة مؤثرة تستطيع أن تحارب الفساد وأن تحسن الحوكمة وأن تعزز المساءلة.
- تساهم هذه السياسة بشكل مباشر في تحقيق قيمة ومنفعة الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة بإحداث فارق للأفضل في حياة المواطنين.
- ترفع مستوى الرضا لدى المراجعين وشعورهم بأهمية الجهود التي بذلوها والتوصيات التي قدموها.
* مقترحات بشأن ترشيد هذه السياسة:
لعله من الطبيعي جداً أنه عند التطبيق الفعلي لأي توجه أو سياسة أن تظهر نقاط ضعف وقصور فيها تحتاج إلى مراجعة وترشيد لضمان تحقيق أهدافها بصورة مناسبة، ومن المقترحات التي أراها ضرورية لضمان ذلك ما يلي:
- أن تقتصر عمليات النقاش الرسمي قبل مرحلة تصدير التقارير على الجهات والمواضيع الهامة والجوهرية وذات التأثير الواسع على المستوى الرسمي والمجتمعي مثل الجهات الايرادية وتقارير رقابة الاداء على الموضوعات الهامة، وأن يتم التغطية الاعلامية لها بالشكل المناسب.
- بالنسبة للتقارير التي يتم تصديرها قبل النقاش الرسمي لها أقترح أن يتم تقسيمها إلى فئتين، الفئة الاولى تقارير تحتوي على نتائج رقابية مهمة وتحتاج إلى نقاش عميق مع الجهة لمعالجة الاختلالات الواردة فيها وفي هذه الحالة من المناسب الطلب من الجهة إعداد مصفوفة معالجات بشأنها وعقد اجتماع رسمي لمناقشة المصفوفة المعدة والتوقيع عليها من قبل الجهاز والجهة، أما الفئة الثانية فتتعلق بالتقارير الرقابية التي لا تتطلب إجراءات معقدة لمعالجة الاختلالات الواردة فيها ولا تتطلب النقاش حول طبيعة المعالجات التي يجب اتخاذها وفي هذه الحالة يطلب من الجهة إعداد مصفوفة معالجات وموافاة الجهاز بها دون أن يتم عقد اجتماع مع الجهة لمناقشة المصفوفة.
- العمل على ترشيد السياسة الاعلامية التي يتم اتباعها في نشر ملخصات عن محتويات التقارير لضمان تحقيق التوازن بين الحق في حصول الجمهور على المعلومات وبين سرية تفاصيل نتائج وأدلة الاثبات الرقابية الواردة بتقرير الجهاز.
- إتباع نظام فعال لمتابعة مخرجات الجهاز وتنفيذ الاجراءات الواردة في مصفوفة المعالجات المزمنة التي أعدتها الجهات الخاضعة للرقابة.
بالأخير أدعو الاخوة في الادارة العامة للتعاون الفني أن يعملوا على نقل تجربة الجهاز في هذا الجانب إلى المنظمات الدولية والأجهزة النظيرة عن طريق إعداد ملف متكامل يتضمن نبذة عن هذه السياسة وإجراءات تنفيذها والآثار التي ترتبت على تطبيقها وأن يكون هذا الملف في شكل تقارير مكتوبة وفيديوهات توضح جانب من اللقاءات التي تمت مع الجهات الخاضعة للرقابة وصور من مصفوفة المعالجات المتفق عليها والموقعة من الجهاز والجهة، وأنا على استعداد للتعاون في هذا الجانب بكل ما أستطيع أن أقدمه.
أسأل الله العلي القدير أن يكلل جهود قيادة ومنتسبي الجهاز بالتوفيق والسداد ، إنه سميع الدعاء.